د. سعاد إبراهيم عيسى
الحكومة عودتنا دائما وعند اتجاهها لزيادة الأسعار لأي سلعة كانت, ألا تفعل ذلك بالطرق المتبعة والمعروفة, بل غالبا ما تلجأ لبعض الحيل التي تحاول بها خدع المواطن وإيهامه بعكس الواقع. فان أرادت ان ترفع سعر اى سلعة بمبلغ عشرة جنيهات مثلا, فإنها لا تعلن ذلك رأسا, ولكنها ترتفع بالزيادة إلى ثلاثين جنيها مثلا أيضا, وما ان يثور المواطنون وتتصاعد احتجاجاتهم على الزيادة الكبيرة, حتى تعلن أي السلطة, بأنها استجابة لاحتجاجات المواطنين قد تراجعت عما أعلنت من رقم, فخفضته من 30 إلى عشرة جنيهات فقط, وهو الرقم المطلوب أصلا, فيتم تصديقها ويهدأ الجميع, حتى اكتشفوا تلك الخدعة وما عادت تجدي,
وخدعة جديدة تم ابتداعها أخيرا تمثلت في إخفاء بعض السلع وتجفيفها تماما من العلن, ثم القيام ببيعها بالسوق الأسود وبالسعر الذى يفرضه المالكون لها حيث يجد المواطن نفسه مضطرا للخضوع لشرائها بما يفرض عليه من أسعار, خاصة عندما تكون السلعة ضرورية وهامة جدا لحياته.
فقد اختفى غاز الطبخ من أسواقه فجأة وبلا مقدمات, وأصبح الحصول عليه من رابع المستحيلات, فانشغل المواطنون في الجري خلف البحث عنه, والحلم بالحصول عليه بأى ثمن كان, ثم أخذت الحكومة في توفير القليل من كمياته يوميا الأمر الذى يجبر المواطنين لترك أعمالهم لأجل الاصطفاف أمام مواقع توزيعه, ولساعات طوال يوميا وربما لأيام أطول, حتى يحصلوا على أنبوبة واحدة منه, الأمر الذى ستزيد من ضعف الإنتاج المتهم به المواطن أصلا.
ولا ينسى إعلانات بعض المسئولين الذين أرادوا ان يدللوا على أنهم يعانون من ذات الندرة مثلهم مثل عامة المواطنين فيعلنوا بأنهم قد حصلوا على أنبوبة الغاز بأسعار مرتفعة جدا وهى أسعار لا تعدو ان تكون في سبيل تهيئة المواطن لما هو قادم. وبعد كل هذه المعاناة التي كابدها المواطنون تعلن السلطة وفجأة بأنها قد وجدت مفتاح الفرج لتلك الأزمة, بان جعلت من الندرة وفرة مما يشتهى المواطن ويتمنى, ثم تنتقل لتحديد السعر الجديد الذى هو اقل من أسعار السوق السوداء طبعا ولكنه أعلى بكثير من السعر السابق. فيحمد المواطن ربه على تلك النعمة, وهذه هي آخر خدعة تم استخدامها لتقبل رفع الدعم عن الغاز رغم هبوط أسعاره عالميا الأمر الذى ينفى وجود اى دعم له من جانب الحكومة بل هي الرابحة من أسعاره قديمها وجديدها.
والأهم في هذه الخدع والبدع, ما من سلعة تم إخفائها إلا ومن ورائها منتفع, من مافيا السوق سيجنى ثمارها. وقد جرب المواطن ذلك وفى الكثير من السلع الهامة والتي يستحيل التخلي عنها, كاختفاء سلعة السكر الذى ابتلعته الأرض مرة, ثم عاد وبالأسعار التي تحقق لسماسرته الوصول إلى ما وصله غيرهم من أثرياء الغفلة الجدد وتحققت أهدافهم, ولا يمكن ان تكون السلطة غير مدركة لهؤلاء المتلاعبين بحاجات المواطنين, وهم الأحق بمتابعاتها الدقيقة التي تهدرها جريا وراء ( الخونة والمندسين) وتترك لأولئك السعداء بشقاء الآخرين, الحبل على القارب ليسرحوا ويمرحوا كما يشاءون, حتى وصل المواطن إلى قناعة بأن هل الحظوة والقبول أولئك, لابد من يكونوا من أصحاب الولاء لها قبل ولائهم للوطن والمواطنين..
عندما أرسل السيد وزير المالية بالون اختباره الأول حول القادم بميزانية العام 2016م, وعلى رأسه موقفها من رفع الدعم عن أي من مستلزمات حياة المواطنين, والذي ظلت ترعبهم به السلطة عاما بعد عام, أوضح سيادته وبلا أدنى مواربة, الاتجاه نحو رفعه وعن أكثر من سلعة وعلى رأسها المحروقات, التي يرجع لها الفضل الأكبر في حرق دخل المواطن بما لها من قدرة على رفع أسعار كل مطلوبات حياته الأخرى. وعليه خرجت كل الصحف حينها وبلا استثناء, تعلن عن ذلك الخبر الفاجعة.
غير ان المواطن نفاجأ مرة أخرى بغضبة الوزير المصرية, حول كشف الصحف لتصريح سيادته, وخاصة تحميله المواطنين وزر رفع الدعم لكونهم شعبا مستهلكا وغير منتج, وكأنما نسى سيادته فقرائهم الذين قاربت نسبتهم ان تصل 90%, والذين ما عرفوا للاستهلاك طريقا بعد ان حرموا من طرق الإنتاج طويلا, وحتى يؤدى ضعف إنتاجهم إلى ضعف الموازنة, ليصبح لزاما عليهم التعويض عن كل ذلك, بتحملهم ما يفرض عليهم من أعباء لعلاج ما تسببوا فيه من اعتلال اقعد بالموازنة من ان تلبى كل مطلوبات العام 2016م.
السيد الوزير لم يكتف بنفي تصريحه ذاك, بل بشر المواطنين بان الموازنة (المعجزة) لم تتوقف عند خلوها من أي زيادات في اى من بنودها تزيد من أعباء المواطن, بل ستعمل على تخفيف أعبائه بزيادتها لدخله. وقد ساندته السلطة في ذلك الاتجاه عندما برأت الموازنة من كل ما لصقه بها الصحفيون, المندسون منهم والموالون للسلطة, فأعلنت بأنها بصدد تأديبهم جميعا وأوفت بما وعدت وسريعا, فبدأت بصحيفة التيار التي جرفتها بعيدا عن أعين فرائها, فقط لأنها كشفت عن عورت النظام, التي لم تختلف عما كشفه الآخرون إلا في صورة الإخراج.
المؤسف ان ذات الموازنة, التي قيل أنها الأفضل والأمثل على كل ما سبقتها.ان لم تكن على الإطلاق, ما ان تمت إجازتها من المجلس الوطني, وهى خالية من اى زيادات, حتى بدأت تعلن عن خباياها وحقيقتها. فكان أول الغيث زيادة سعر الغاز من 25 إلى 75 جنيها, وبنسبة زيادة بلغت 200%. ولم يغب عن ذهن المواطن التمهيد الذى تم لهذه الزيادة عبر بتمثيلية اختفاء الغاز تماما ثم عودته في ثوبه الجديد. وبما ان الغاز يتم استخدامه بجانب طهي الطعام بالمنازل, وغيره خارجه, مما يستوجب ارتفاع أسعار الأخير, والتي سيواجه بها المواطن.بينما الحكومة تعرض بزيادة المرتبات ومقدارها بمائة جنيها, يبدأ صرفها لا مع بدأ تطبيق القادم من الأثقال الجديدة, بل من الأول من ابريل, علما بان تلك الزيادة يا دوب, يغطى الفرق بين شراء أنبوبتين غاز فقط.
السيد الوزير الذى أعلن خلو موازنته من اى زيادات في الضرائب وغيرها, يعلن مرة أخرى وبالصحف المختلفة, بأنه قد وجه بزيادة الربط المقدر للضرائب بنسبة 20%, الأمر الذى يذكرنا بعهد السيد عبد الرحيم حمدي, أول وزير المالية في عهد الإنقاذ, ومطالبته برط محدد للضرائب, علي مصلحة الضرائب تحصيله بالحق أو بالباطل,عندما تفرض على اى مستثمر في أي جانب كان تسديد ما يفرض عليه, كان ذلك من أرباحهم أو حتى من رؤوس أموالهم. وكم من العاملين بالتجارة وغيرها قد تركوها بسبب ذلك الربط الظالم.
والسيد الوزير الحالي, وبدلا من زيادة الضرائب بأى نسبة كانت مثلما ظل الحال دائما, يقفز لسياسة الربط التي تعنى إطلاق يد مصلحة الضرائب لتجتهد في رفع سقوفات مصادرها بما يلبى قيمة الربط المطلوب, الأمر الذى يرجعنا مرة أخرى, لطريقة للضغط على المستثمرين والتي نخشى ان تقود إلى هروب المزيد مما بقى من رؤوس الأموال, التي ظل هروبها للخارج مستمرا أخيرا.
وزيادة الضرائب تعنى زيادة في الأسعار طبعا, وبذا يصبح المواطن هو الذى سيتحمل كل هذه الأثقال مباشرة, ومقابل مائة جنيه ستتم إضافتها لمرتبه لاحقا, وهى لا تسمن ولا تغنى من جوع, مع الأخذ في الاعتبار إنها زيادة فقط لمن يتحصل على مرتبه من الحكومة بما فيهم المعاشين ومنهم من لا يكفى معاشة لأكثر من شراء ثلاثة أنابيب غاز, ودعك ممن هم خارج ذلك الإطار على ضيقه. نخلص من كل ذلك إلى ان موازنة العام 2016م التي أعلنت كأفضل موازنة, قد جاءت على عكس ما أعلن عنها تماما,
البرلمان يعلن رفضه القاطع لزيادة أسعار الغاز, بل ويخطو خطوة غاية في التقدم, فيعلن بأنه قد منح الحكومة 24 ساعة فقط لتسحب قرار تلك الزيادة الذى لم تتم استشارته فيه, ولا نعلم ما الذى جرى لهذا البرلمان, وهو الذى مهد لهذه الزيادة عندما عمل على تعديل القانون الجنائي بتشديد عقوبة إتلاف الممتلكات التي تحدث في حالات الشغب التي تفرضها مثل تلك الزيادات,, بان تصل عقوبتها إلى 5 حتى 10 سنوات سجنا. وتحسبا لمثل ذات الزيادة التي حدثت للغاز.
ثم ما الذى يجعل البرلمان ينتفض للزيادة الأخيرة لدرجة تهديد حكومته, التي كبر وهلل وصفق لها عندما رفعت بعض الدعم عن المحروقات, والتي بسببه اشتعلت ثورة سبتمبر التي راح ضحيتها العديد من أبناء وبنات هذا الشعب المغلوب على أمره؟ وها هي الحكومة وقد تحدت البرلمان بأنها لا ولن تتزحزح عن إعلانها السابق بزيادة سعر الغاز, بل ويضيف السيد رئيس الجمهورية بأنهم سيخرجون أيضا من تجارة البترول وتدريجيا لصالح القطاع الخاص الذى سيتمتع بداية بتجارة الغاز, كما ويؤكد سيادته بأنهم على استعداد للخروج من اى قطاع متى ما كان القطاع الخاص مستعدا لذلك. وبمعنى آخر استمرار السير في طريق سياسة التحرر الاقتصادي حتى نهايته.
المدهش جدا ان يتراجع البرلمان عن إعلان رفضه لزيادة سعر الغاز وبالتالي عن كل تهديداته السابقة, التي لم يشك احد في أنها مجرد (نفخة فارغة), وتراجع بأغرب مبررات حيث يقول بأنه فعل ذلك استجابة لسياسة التحرر الاقتصادي, فهل ياترى قد اعتمدت تلك السياسة من وراء ظهره أيضا حتى يعتمدها بعد ان سمعها من إعلان السيد الرئيس؟.
طبعا عند النظر للدول التي تعمل في إطار سياسة التحرر الاقتصادي, وأسواقها الحرة وما بها من وفرة وفى كل شيء, ومن تنافس في الجودة, وتفاوت في الأسعار, حيث يجد كل مواطن ما يناسبه. يتمنى المرء ان نصل لذلك المستوى فهل اقتصادنا مهيئا لمثل تلك المنافسة, ثم وهل المواطن مهيئا لمثل تلك الأسواق, من حيث التوازن بين دخله ومنصرفاته؟ فمرتبات جميع العاملين بالدولة لا زالت تستند في تغطية بعض من منصرفاتها بما تقدمه الدولة من دعم بائس لبعض السلع التي يحتاجها المواطن وهو الدعم الذى ظل متآكلا في كل عام, فكيف لها تترك المواطن وبمثل هذا الوضع, فريسة لاقتصاد السوق الذى سيقضى عليه وبالقاضية
أخيرا نرجو ان تعمل الدولة على تحرير المواطن من الفقر وتبعاته من جوع وعطش وجهل ومرض, ومن بعد يحق لها ان تعلن عن تحررها الاقتصادي..
Suadeissa@yahoo.com