استدعت وزارة الخارجية أمس (الأربعاء) القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالسودان على خلفية تحركات بلاده بإيداع مشروع قرار منضدة مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد ولاية فريق الخبراء فيما يتعلق بالقرار(1591) بإضافة فقرات تتناول شأن التعدين عن الذهب بالسودان، وكانت قد بدأت العديد من الدوائر في المجتمع الدولي تحركات ماكوكية للبحث في طرق جديدة وإعادة أساليب قديمة من أجل إحكام الطوق على السودان، وذلك بعد أن هدأت الأحوال قليلاً بين السودان وخصومه الدوليين خلال السنوات الأخيرة بفضل التحركات الدبلوماسية التي نجحت في استقطاب العديد من الأصدقاء الذين قاموا بأدوار كبيرة لصالح السودان في المحافل الدولية خاصة التي تصنع السياسة الدولية سيما مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وغيرها من المؤسسات الدولية التي تستخدمها عدد من الدول في تمرير أجندتها السياسية لتحقيق مآرب ذاتية أحياناً، ولتحقيق مآرب الغير في أحيان كثيرة، وعطفاً على ذلك وعلى ضوء العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة في جبهات القتال ضد الحركات المسلحة وآخرها في جبل مرة وما حققه الجيش من انتصارات في عدد من جبهات القتال، تحركت عدد من الدوائر لتحجيم دور القوات المسلحة، بينما تحركت دوائر أخرى لخنق السودان اقتصادياً على قرار مشروع القرار الأمريكي الذي أودعته منضدة مجلس الأمن، حيث استطاع أصدقاء السودان اجهاض بعضها بينما يعملون مجدداً لإسقاط البقية.
استدعاء القائم بالأعمال الأمريكي
جاءت ردة فعل حكومة السودان قوية تجاه الموقف الأمريكي الذي يهدف إلى خنق السودان بتمرير قرار تمديد فريق الخبراء الذي حوى (4) فقرات جديدة تختص بالتعدين عن الذهب، حيث استدعت وزارة الخارجية أمس (الأربعاء) القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة بـ”الخرطوم”، (جيري لاينر) احتجاجاً على مشروع قرار رعته الولايات المتحدة الأمريكية وقدمته لمجلس الأمن، بشأن تمديد ولاية فريق الخبراء وإضافة (4) فقرات جديدة تختص بالتعدين عن الذهب.
تناقض مواقف
ونقل وكيل الوزارة السفير “عبد الغني النعيم”، للقائم بالأعمال الأمريكي، أن مشروع القرار يتناقض مع الروح العامة لعلاقات البلدين الثنائية، خاصة في ضوء زيارة المبعوث الأمريكي مؤخراً للسودان ولقاءات وزير الخارجية مع الرئيس “أوباما” في “أديس أبابا”، ومع وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” في أكثر من مناسبة، فضلاً على الزيارات المتبادلة على مستويات أخرى بين البلدين.
وأبلغت الخارجية القائم بالأعمال بحسب المتحدث الرسمي السفير “علي الصادق”، بأن مساعي الولايات المتحدة الأمريكية بشأن مشروع القرار تتناقض مع التعاون الحادث بين البلدين في عدد من القضايا الإقليمية.
امتعاض
وأشار الوكيل للقائم بالأعمال الأمريكي إلى أن السودان كان يتطلع إلى فتح صفحة جديدة مع الإدارة الأمريكية في ما يتعلق بالعلاقات الثنائية والتعاون الإقليمي والدولي، ولكن جاءت رعاية أمريكا لمشروع القرار المشار إليه مخيبة للآمال، كونها تجاهلت كل التعاون المذكور هذا بجانب كونها استبعدت حتى الإشارة للمجموعات المسلحة وزعزعتها للأمن والاستقرار، ليس في السودان فحسب، وإنما في دول الجوار، وطالب الوكيل المسؤول الأمريكي بإبلاغ إدارة بلاده امتعاض السودان من استهدافها لموارده من خلال العقوبات الأحادية القسرية التي تفرضها عليه، التي هي في أساسها استهداف للحقوق الأساسية للمواطنين السودانيين للحصول على الأدوية وقطع الغيار والمدخلات المختلفة.
وعود سراب
القائم بالأعمال الأمريكي وعد وكيل الخارجية بنقل موقف السودان إلى حكومته، وأكد في ذات الوقت أن الإدارة الأمريكية عازمة على الحوار مع السودان، وقال إن بلاده على استعداد للتفاوض مع الحكومة السودانية حول مختلف القضايا، وإنهم سيعملون على مد جسور التعاون وبناء الثقة، وإعداد خارطة طريق لتطوير وتطبيع علاقات البلدين على المدى البعيد.
اليوم التصويت على مشروع القرار
وبحسب مصادر واسعة الاطلاع تحدثت لـ(المجهر) أن بعثة السودان بـ”نيويورك” نجحت في استقطاب عدد من الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي وعلى رأسها دولتا روسيا والصين اللتان تتمتعان بعضوية دائمة بمجلس الأمن، هذا فضلاً عن استقطابها لدول أخرى غير دائمة العضوية من بينها فنزويلا التي تترأس دورة مجلس الأمن الحالية، ومصر، ماليزيا، السنغال، وأنغولا، إلا أن المصدر ذاته أكد لـ(المجهر) أن موقف أنغولا متذبذب لا يمكن الاعتماد عليه في اجهاض القرار الذي كان مقرراً التصويت عليه (أمس)، لكن روسيا طلبت إعطاءها مهلة للتشاور، وأكد المصدر أن التصويت على مشروع القرار سيكون اليوم (الخميس)، مستبعداً تمرير القرار بنفس صيغته التي قدمتها واشنطن، لكنه في ذات الوقت توقع أن يتم تمرير القرار بذات صيغته الأولى وهي تمديد مهمة فريق الخبراء وفقاً لمنطوق القرار الذي بموجبه تم تشكيل الفريق في 29/مارس من العام 2005، مع العلم أن الدول التي يحق لها التصويت هي (أسبانيا، أنغولا، أوروغواي، أوكرانيا، فنزويلا، بوليفا، ماليزيا، مصر، نيوزيلندا، اليابان، السنغال)، إضافة للدول دائمة العضوية الخمس وهي (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين وروسيا).
(المجهر) تكشف التحركات
وكانت قد كشفت (المجهر) في عددها الصادر يوم (الثلاثاء) من مصادرها الخاصة بـ”نيويورك” أن مندوب الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي طرح مشروع قرار في طور المشاورات لحظر تصدير الذهب من السودان، في إطار حزمة العقوبات الأممية المفروضة عليه باعتبار أن التعدين يقع في منطقة النزاعات، وقالت المصادر إن دول “روسيا، فنزويلا، الصين، ماليزيا، أنغولا ومصر” رفضت مشروع القرار. ويأتي المشروع استناداً إلى مطالبات بمنع تصدير الذهب السوداني يقودها “جون برندر قاست” رئيس منظمة (كفاية) القريبة من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
متابعات لكشف الحقائق
في سبيل متابعة الحقائق توصلت (المجهر) إلى معلومات أكيدة في صدر صفحاتها أمس (الأربعاء) عن تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن مقترحها لدى مجلس الأمن الدولي بإضافة حظر تصدير الذهب من السودان ضمن مشروع قرار للعقوبات ضد السودان، وبعثت المستشارة السياسية لبعثة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة رسائل إلكترونية إلى مندوبي الدول أعضاء مجلس الأمن تخبرهم فيها أنه ولعدم التمكن من الوصول لإجماع بشأن نص قرار حظر تصدير الذهب السوداني، فإن بعثتها تطرح التجديد لفريق الخبراء الفني الذي تم إنشاؤه وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي (1591) في التاسع والعشرين من شهر (مارس) من العام 2005م بالتفويض الوارد في القرار رقم (2200) لسنة 2015، بإضافة (4) فقرات جديدة تختص بالتعدين عن الذهب.
روسيا في مواجهة أمريكا
وكان مقرراً بحسب ما أوردت (المجهر) أن يعتمد مجلس الأمن رسمياً (الأربعاء) تمديد مهمة فريق الخبراء، بعد أن وضعه المندوب الأمريكي تحت (اللون الأزرق) لمدة (24) ساعة بعدها يصبح التمديد سارياً، ما لم يتم اعتراض قرار التمديد.
وكانت روسيا قد اعترضت على قرار حظر الذهب السوداني وتبعتها “فنزويلا، الصين، مصر، أنغولا وماليزيا”، وطلب مندوب روسيا بمجلس الأمن أمس (الأربعاء)، إرجاء البت في مشروع القرار الأمريكي إلى اليوم بغرض مشاورة حكومته، لكن بحسب معلومات تحصلت عليها (المجهر) أن طلب المندوب الروسي كان يهدف لإتاحة مزيد من الوقت للجانب السوداني لتنشيط دبلوماسيته داخل الدول الأعضاء بمجلس الأمن للوقوف معه في إسقاط المشروع. ويقضي القرار (2200) أن يخضع السودان لحظر استيراد السلاح وتقييد حركة القوات المسلحة في إقليم دارفور باشتراط الحصول على إذن مسبق من فريق الخبراء، في حالة نقل المعدات والتجهيزات والتدريب وحركة الطائرات الحربية، والتقصي عن أي مساعدات مالية أو لوجستية يتلقاها السودان من شأنها مساعدته في الحرب بإقليم دارفور.
تحركات بريطانية موازية فاشلة
إلى جانب تحركات واشنطن التي تستهدف ضرب وإعاقة الاقتصاد السوداني بجانب تقييد حركة القوات المسلحة في تنفيذ واجباتها ببسط السيطرة على أراضي السودان، عملت بريطانيا الحليفة الإستراتيجية لأمريكا هي الأخرى على إكمال السيناريو المرسوم بدقة متناهية، وذلك بالتقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن لإدانة السودان على خلفية الأحداث التي تشهدها منطقة جبل مرة بدارفور، لكن الحكومة نجحت بتضامن وتنسيق مع أصدقائها بالمجلس على اجهاض مشروع القرار البريطاني الذي كانت تسعى بعد تمريره اجترار قرارات إضافية، حيث أكدت وزارة الخارجية أن بعثتها الدائمة في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية استطاعت بمعاونة وتضامن عدد من الدول التي أسمتها بالصديقة، اجهاض مشروع قرار دفعت به بريطانيا إلى اجتماع الدول الأعضاء بمجلس الأمن لإدانة السودان بسبب الأحداث التي تشهدها منطقة جبل مرة بدارفور، وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير “علي الصادق” يوم (الثلاثاء)، إن بعثة السودان الدائمة بنيويورك تمكنت بالتضامن والتنسيق مع الدول الصديقة داخل مجلس الأمن من إفشال المشروع البريطاني وإسقاطه من مداولات المجلس، وأكد “علي الصادق” أن وزارته تعبر عن شكرها إلى دول (روسيا، الصين، فنزويلا، مصر، أنغولا، السنغال) للدور الذي قامت به لمساندة السودان في اجهاض مشروع القرار، ووجهت إشادة خاصة لبعثتها للجهود التي بذلتها.
وكشف “علي الصادق” أن المندوبة الدائمة لبريطانيا بمجلس الأمن عممت مذكرة للدول الأعضاء بمجلس الأمن أكدت من خلالها فشلها في الحصول على الإجماع المطلوب لتمرير مشروع القرار لإدانة السودان.
الخبير المستقل على خطى الحليفتين
في أعقاب المواجهات العسكرية بين القوات المسلحة وحركة تحرير السودان بزعامة “عبد الواحد محمد نور” دعا الخبير المستقل لحقوق الإنسان في السودان البنيني الجنسية (اريستيد نوسين)، يوم (الجمعة)، إلى وقف فوري لما أسماه بالأعمال العدائية في جبل مرة بدارفور، وحذر في الوقت ذاته من الأوضاع الإنسانية المترتبة على تشريد عشرات الآلاف من المدنيين، بسبب تجدد القتال. واعتبر “نوسين” في تصريح أن تصاعد أعمال العنف في المنطقة يشكل شواغل إنسانية جديدة، محذراً من أن القتال أجبر عشرات الآلاف من المدنيين على الفرار من ديارهم في منطقة جبل مرة، خلال الأسبوعين الماضيين، إلى جانب وقوع انتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، بما في ذلك وقوع ضحايا مدنيين وتدمير الممتلكات، وطالب الخبير المستقل حكومة السودان بتهيئة الظروف لحوار شامل وضمان مشاركة جميع الجماعات المسلحة لدفع عملية السلام والمصالحة في البلاد. وقال “اريستيد نوسين” إن “العنف هو بالتأكيد ليس وسيلة للتغلب على الصعوبات الحالية التي تواجه السودان، ويجب أن يتوقف الآن.. وقال (نحث جميع أطراف النزاع على احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في جميع الأوقات، وحماية المدنيين العزل)، وأشار إلى أنه يتوجب على حكومة السودان تسهيل الوصول الحر والكامل لبعثة “يوناميد” ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى إلى جميع المناطق المتضررة من النزاع، بلا عوائق.
في مواجهة “نوسين”
لكن الحكومة لم تصمت على بيان الخبير المستقل، بل استنكرت ما جاء فيه بشأن توصيف الأحداث التي دارت في منطقة جبل مرة بين القوات المسلحة ومجموعات حركة تحرير السودان بقيادة “عبد الواحد محمد نور”، واعتبرت الحكومة أن ما قامت به القوات المسلحة يندرج في إطار ممارسة حقها القانوني والسيادي في بسط سيطرتها على الأراضي السودانية، ووصفت وزارة الخارجية في بيان لها يوم (الثلاثاء)، ما أورده الخبير الأممي من معلومات في بيانه بغير الدقيقة في توصيف الأوضاع على الأرض، واستنكرت الحكومة ما حمله البيان من إشارات ضمنية إلى وجود (مسلحين مدنيين)، فضلاً عن إشارته إلى المجموعات المتمردة بـ (جماعات معارضة مسلحة)، الأمر الذي يتنافى مع حالة مجموعات “عبد الواحد”، وبرأت الحكومة ساحتها من أي حالات نزوح بمنطقة جبل مرة مثلما جاء في التقرير، وقالت إن النزوح تتحمله جماعات “عبد الواحد محمد نور” سيما وأنها ظلت تحرص على إطالة معاناة المواطنين للتكسب من قضاياهم، وأشارت إلى أن النزوح كان استباقاً لأي هجمات متوقعة من تلك المجموعات على قرى النازحين، وكنتيجة مباشرة لتحريك كتائب القوات المسلحة من مواقع تمركزها التي كانت تجاور تلك القرى وتوفر الحماية لسكانها، وأوضح البيان أن السلطات الحكومية بادرت بالتنسيق مع الشركاء في دارفور بالتحرك العاجل لتقييم الوضع الإنساني وتقديم الخدمات والعون إلى المحتاجين، وأكد البيان أن معظم المتأثرين عادوا إلى مناطقهم في غرب دارفور عقب تدخل الحكومة وقيامها بالإجراءات المناسبة من تأمين لوصول القوافل الإنسانية وبسط الأمن.
ترويع ومهاجمة
وأشارت الحكومة إلى أن مجموعات “عبد الواحد” ظلت تقوم بمهاجمة وترويع السكان المدنيين في منطقة جبل مرة فضلاً عن إرغامهم على دفع الجبايات ونهب الممتلكات ومهاجمة الأطواف والقوافل التجارية، وأكدت أنه بعد أن أحكمت القوات المسلحة الخناق عليها عمدت بمحاولات وصفتها باليائسة، لإثبات وجودها على الأرض والحصول على المؤن بمهاجمة القرى الآمنة، وأوضحت أن تلك المجموعات بادرت بمهاجمة مواقع تمركز القوات المسلحة في جبل مرة مستغلة وقف إطلاق النار الذي أعلنه رئيس الجمهورية، وجددت الحكومة عبر البيان، النداء لجميع الأطراف بما في ذلك المجموعات المسلحة للانخراط في العملية السلمية، داعية في الوقت ذاته بالضغط على المجموعات المسلحة لتحكيم صوت العقل وصولاً إلى حلول سياسية.
إلى متى
في ظل التحركات الدولية المتلاحقة التي تسعى إلى للضغط على السودان، ينبغي على الحكومة السودانية بذل جهود كبيرة لطي صفحة الحرب من خلال التوصل إلى نتائج عبر آليات التفاوض التي تجري الآن بينها والحركات المسلحة، وفي ذات الوقت عليها كسب كثير من المساندين من الدول الصديقة من خلال تفعيل وتكثيف دبلوماسيتها إقليمياً، ودوليا.
يبقى السؤال.. هل يمكن أن تعتمد الحكومة على أصدقائها في ظل المتغيرات الدولية الكبيرة التي يشهدها العالم؟.. وإلى متى يظل هؤلاء الأصدقاء في مواقفهم في مساندة السودان في زمن تغلب فيه المصالح على الصداقة..؟
المجهر السياسي