انتشت جوبا فرحاً حد الامتلاء، في أعقاب إعلان الرئيس البشير، فتح الحدود مع دولة جنوب السودان، لكن، بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة، أبدى قلقاً بالغاً في الجلسة الافتتاحية للقمة الأفريقية الــ(26) في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إزاء الأوضاع، في عدد من الدول الأفريقية، وقال إن قادة دولة جنوب السودان لم يقدموا المطلوب لتحقيق الأمن والاستقرار، لافتاً إلى أن اللجنة الدولية لتقصي الحقائق المُتعلقة بالصراع في جنوب السودان عملت بصورة جيدة، داعياً القادة في جنوب السودان إلى الالتزام بما توصي به اللجنة، وأكد وقوف الأمم المتحدة مع الاتحاد الأفريقي، ودعم برامجه الرامية إلى إحلال السلام والاستقرار في دول القارة. وأوضح مون أن مشروع 2016 عام أفريقيا لحقوق الإنسان مع التركيز على حقوق المرأة هو شعار معبر لهذه الدورة، وأعرب عن أمله في أن ينفذ القادة الأفارقة كل مخرجات القمة، خاصة في ما يتصل بحقوق الإنسان. وقال الرئيس البشير في حوار مع "فرانس 24" أمس "الأحد"، إن المصاعب بين السودان وجنوب السودان لم تنته، لكن للمصاعب والمعاناة الكبيرة في جنوب السودان، والمجاعة بسبب الجفاف الذي ضرب المنطقة، دعاهم إلى إلى فتح الحدود من أجل المواطن الجنوبي، خاصة وأن مليون مواطن لجأوا إلى السودان ويعيشون كمواطنين. 1
فقر مدقع
طبقاً لموقع "الجزيرة نت" فإن دولة جنوب السودان تتصدر ـ وهي أحدث دولة في العالم ـ قائمة الدول الهشة "الفاشلة سابقاً"، وذلك وفق مؤشرات مختلفة من بينها غياب التنمية الاقتصادية وفساد النخبة السياسية وغياب الشفافية. كما يعاني أكثر من نصف سكان دولة جنوب السودان من فقر مدقع رغم أن البلد غني بالموارد الطبيعية والثروات المعدنية وخاصة النفطية. ويقول أتيم قرنق، وهو قيادي في حزب الحركة الشعبية الحاكم، إن أوضاع بلاده تشبه جميع أوضاع الدول الأفريقية حيث تكون "الدول غنية والشعوب فقيرة"، لكنه عزا هذا الوضع إلى ما سمَّاها "مشاكل موروثة" من فترة الوحدة مع السودان. وعن المؤشرات الدولية التي تؤكد استشراء الفساد في الدولة الوليدة، أوضح قرنق أن الفساد مرض اجتماعي قديم اعترفت به الدولة الجنوبية ووضعت آليات لمكافحته لكنها لم تفعّل حتى الآن، وأشار إلى وجود مؤسسة تختص ببحث قضايا الفساد لتقديم من وصفهم باللصوص إلى المحاكمة في القريب العاجل.
2
انسحاب فوري
في أعقاب دخول الوليدة إلى نفق الاقتصاد المظلم، وازدياد حدة التفلتات المُسلحة من قبل العناصر المقاومة لقرار تقسيم الدولة إلى (28) مقاطعة، أصدر الرئيس سلفاكير ميارديت أوامر لوحدات الجيش بالانسحاب الفوري من الحدود مع السودان، وأبدى استعداداً للتطبيع الكامل معه وتفعيل اللجان المُشتركة التي تم تشكيلها بعد انفصال بلاده في يوليو 2011. وقال سلفاكير، حسب بيان صحفي صدر مؤخراً في جوبا، أنه قرر التطبيع الكامل مع السودان، وسحب جميع القوات العسكرية التابعة لبلاده، من الحدود، لمسافة (5) أميال جنوباً وفقاً لحدود عام 1956. وأضاف: "قررت بعد عطلة الكريسماس، تطبيع العلاقات مع إخوتنا في جمهورية السودان المجاورة، لذلك قمت بإيفاد مبعوث خاص إلى الخرطوم، نهاية ديسمبر المُنصرم، لمناقشة المسائل المُتعلقة بتطبيع العلاقات الثنائية ومناقشة قضايا الحدود". وتابع: "نحن بحاجة إلى العمل بشكل وثيق مع إخواننا وأخواتنا في الخرطوم، لتطبيع كل علاقاتنا، سنقوم بإعادة تنشيط جميع اللجان المعنية بهذه المسائل".
3
من أجل الشعبين
وتجئ خطوة كير التصالحية تجاه الخرطوم، بعد أيام قليلة من إصدار نظيره عمر البشير، توجيهات بمراجعة الإجراءات الاقتصادية الانتقالية مع دولة جنوب السودان، بعد أن طلبت جوبا تخفيض المحصلة المالية لعبور النفط الجنوبي، عبر أراضي السودان. وربما كان بونا ملوال، هو المبعوث الذي عناه سلفاكير في ما يبدو، بينما أعلن برنابا وزير خارجيته من الخرطوم مطلع الشهر الماضي، تقديم بلاده طلباً للحكومة السودانية بخفض النسبة التي تحصل عليها من عائدات نفط الجنوب نظير استخدام المُنشآت والأنابيب السودانية، بعد أن انخفضت أسعار الخام العالمية إلى ما دون (27) دولاراً للبرميل. وأشار رئيس جنوب السودان في بيانه إلى أن "هناك مجموعة كبيرة من مواطني البلدين يعيشون في المناطق الحدودية، ومسؤوليتنا المشتركة تحسين العلاقات من أجل رفع مستوى الأوضاع المعيشية لهم". وأضاف: "لدي قناعة أن أخي الرئيس السوداني عمر البشير سيستجيب لرسالتي الهادفة إلى التطبيع من أجل تحسين العلاقات المشتركة، وأنا واثق من أنه سيقوم كذلك بفتح الحدود المشتركة مع بلادنا، أمام حركة التجارة والمواصلات من أجل الشعبين".
4
طرد المتمردين
وكانت السلطات وجهت بإغلاق الحدود المشتركة مع جنوب السودان في أعقاب الانفصال، مما قاد إلى مُضاعفة مُعاناة سكان الولايات المتاخمة للسودان وهي "أعالي النيل والوحدة وغرب بحر الغزال وشمال بحر الغزال وواراب". واشترط السودان لفتح حدوده مع جنوب السودان، أن تقوم جوبا بطرد متمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال الذين تقول الخرطوم إن حكومة جنوب السودان تقوم بإيوائهم لمحاربة الحكومة. وطبقاً للكاتب حسن مُصدق، في مقاله المنشور في صحيفة "العرب"، فإن دولة جنوب السودان تعيش بعد أربع سنوات من انفصالها عن الشمال وإعلانها عن "الاستقلال"، حالة من التشتت التي تغذيها عوامل التفرقة الإثنية والقبلية والمناطقية، أسهمت بدورها في اندلاع صراع سياسي محموم على السلطة والثروة، أضحى يُنبئ في ظل عدم استكمال بنيان الدولة، بإمكانية انزلاق البلاد إلى الفوضى، بما يُشكله ذلك من مخاطر جمَّة على الداخل والخارج.
5
سيناريو التفكيك والأسئلة المحورية
حسناً.. الرئيس البشير، قال إن بلاده حريصة على استدامة الأمن والاستقرار في دولة جنوب السودان، ونقل إلى وفد الحكومة القادم من جوبا للمشاركة في القمة الأفريقية في أديس أبابا اهتمام السودان بقضايا الدولة الجارة. واجتمع البشير برئيس وفد جنوب السودان المُشارك في القمة الأفريقية، نيال دينق نيال، الذي قال إنه قدَّم الشكر للرئيس البشير إنابة عن نظيره سلفاكير ميارديت لاتخاذه قراراً بفتح الحدود بين البلدين. وأبدى دينق ترحيب بلاده بالخطوة، وعدَّها، إيجابية وأنها ليست غريبة عن السودان حكومة وشعباً، وأشار إلى أن القرار انعكس إيجاباً على الأوضاع الاقتصادية بدولة جنوب السودان خاصة على المناطق الحدودية، وأوضح أن فتح الحدود يُساهم بشكل كبير في حل الكثير من المشاكل والتحديات الاقتصادية في دولة جنوب السودان، خاصة في ما يتعلق بالمواد الغذائية، فضلاً عن انعكاسه الجيد على العلاقات السياسية بين البلدين.
لكن الكاتب حسن مُصدق يقول، إنه وبعد أربع سنوات من "الاستقلال"، وتسويق حل الانفصال كحل سحري، ما يزال جنوب السودان رهين منطق الحرب والعنف اللذين أصبحا عملة الحوار الوحيدة والمُهيمنة على الساحة السياسية، مما بات يطرح معه أسئلة محورية حول طبيعة سيناريو التفكيك الذي سمح بظهور تلك الدولة التي ولدت بشكل قيصري، وسجلت حالة وفاتها في اليوم الأول لإعلان ميلادها، فضلاً عن تحول البترول (موردها الوحيد) إلى سلاح ينخر جسمها المريض، عوض استغلاله كمورد للتنمية الوطنية المفقودة، حيث ازدادت وتيرة الصراع المُسلح منذ 2013، وتفاقمت تداعيات عدم الاستقرار بشكل كبير عما كان عليه الوضع قبل الاستقلال.
6
سبق وأن قال، كمال الدين إسماعيل، وزير الدولة في الخارجية، إن الوزارة تبحث إعادة فتح الحدود بين البلدين، وكشف عن تكبد السودان خسائر تصل إلى (7) مليارات دولار بسبب توقف التجارة عبر الحدود، وأوضح أن السودان تضرر بشكل كبير جرَّاء إغلاق الحدود مع دولة جنوب السودان، وتوقف التجارة بين البلدين. ودافع الوزير في جلسة للبرلمان، مؤخراً عن سياسة البلاد الخارجية، وأكد أن المرونة المُتبعة من حكومته في كثير من القضايا الدبلوماسية لم تكن يوماً على حساب السودانيين بالخارج. وكانت الحكومة أغقلت الحدود بين البلدين منذ يونيو 2011 إثر اندلاع الحرب في جنوب كردفان، وربط السودان إعادة فتح الحدود للتجارة مع الجنوب بانتهاء النزاع مع الحركة الشعبية "شمال"، كما أن الخرطوم ظلت توجه منذ ذلك الوقت اتهامات لجوبا بدعم وإيواء التمرد في جنوب كردفان.
ويقول، إبراهيم غندور، وهو وزير الخارجية، إن قرار الرئيس البشير بفتح الحدود مع دولة جنوب السودان يسمح لنحو (14) مليون مواطن، يعيشون على الحدود بين البلدين، بالحركة والتنقل، وينعش حركة التجارة بين البلدين. وأشار الوزير إلى أن حركة التجارة بين البلدين وُضعت في الاعتبار حين تم اتخاذ قرار فتح الحدود. وأضاف: "إن هذا القرار جاء ثمرة مباحثات مستمرة بين الخرطوم وجوبا منذ ديسمبر عام 2012". وأوضح أن القرار نتج عن تشاور على كافة المستويات ابتداءً من مستوى أجهزة الأمن والدفاع والخارجية واللجان السياسية، وأعرب عن تطلع بلاده للتوصل لحلول في كل ما يتعلق بترسيم الحدود والقوات العسكرية بين الدولتين.
7
"قرار تاريخي"
عوداً على بدء.. يقول ميان دوت، وهو سفير جنوب السودان لدى الخرطوم، إن إعلان الرئيس البشير بفتح الحدود بين الخرطوم وجوبا من شأنه الإسراع في تنفيذ اتفاقيات القضايا العالقة مثل حل قضية أبيي وترسيم الحدود وتحديد الخط الصفري بين الدولتين. وأضاف: "قرار الرئيس البشير من شأنه كذلك العمل على إعفاء الديون"، مشيراً إلى أن فتح المعابر العشرة سيعمل على انسياب البضائع والتبادل التجاري، وإنعاش الأوضاع الاقتصادية بالدولتين." وأكد ميان، أن الحدود والقوافل والأطواف التجارية ستكون مؤمنة بين الطرفين، نسبة لوجود الشرطة والمواصفات والمقاييس وشرطة وأمن الحدود بالمعابر الحدودية. وزاد قائلاً: "إن إعلان فتح الحدود قرار تاريخي سيعمل على تطبيع العلاقات بين الطرفين وزرع الثقة بين الخرطوم وجوبا".
اليوم التالي